فصل: من فوائد السمرقندي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه: «لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله» وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يوما لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: «أقرأ على فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أحب إن أسمعه من غيري فاستفتح فقرأ سورة النساء حتى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدًا} قال: حسبك الآن فرفع رأسه فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان من البكاء» وكان الصحابة إذا اجتمعوا وفيهم أبو موسى يقولون: يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون فلمحبي القرآن- من الوجد والذوق واللذة والحلاوة والسرور- أضعاف ما لمحبي السماع الشيطاني فإذا رأيت الرجل ذوقه وشدة وجده وطربه وشوقه سماعه الأبيات دون سماع الآيات في سماع الألحان دون سماع القرآن وهو كما قيل:
تقرأ عليك الختمة وأنت جامد كالحجر وبيت من الشعر ينشد تميل كالسكران.
فهذا أقوى الأدلة على فراغ قلبه من محبة الله وكلامه وتعلقه بمحبة سماع الشيطان والمغرور يعتقد أنه على شيء.
ففي محبة الله وكلامه ورسوله صلى الله عليه وسلم أضعاف أضعاف ما ذكر السائل من فوائد العشق ومنافعه بل لا حب على الحقيقة أنفع منه وكل حب سوى ذلك باطل إن لم يعن عليه ويسوق المحب إليه. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} قرأ نافع وابن عامر، {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ} بالدالين، وقرأ الباقون بالدال الواحدة مع التشديد.
فأما من قرأ يرتدد، فهو الأصل في اللغة، وروي عن أبي عبيدة أنه قال: رأيت في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، بالدالين.
وأما من قرأ {يَرْتَدَّ} لأنه أدغم الدال الأولى في الثانية، فأسكن الأولى، ثم حرّك الثانية إلى النصب لالتقاء الساكنين.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في شأن أهل الردة الذين ارتدوا على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أن العرب ارتدوا وقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما أن نعطي من أموالنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا.
وخرج مسيلمة الكذاب فغلب على اليمامة، وامتنعوا.
فشاور أبو بكر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: وكيف نقاتل قومًا، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا لا إله إلاَّ الله، فَإذا قَالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالى»، فقال أبو بكر الصديق: الزكاة من حقها.
ثم قال: والله لو منعوني عقالًا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه.
فاتفقت الصحابة على قول أبي بكر، وجمعوا العسكر، وجاءهم من قبل اليمن سبعة آلاف رجل، واجتمع ثلاثة آلاف من أفناء الناس، فخرجوا وأميرهم «خالد بن الوليد»، وقاتلهم، وخرج مسيلمة الكذاب مع أهل اليمامة، واجتمع الأعراب معه، وكان بينهم قتال شديد، فقتل يومئذٍ من المسلمين مائة وأربعون رجلًا ومنهم «ثابت بن قيس بن شماس»، «وسالم مولى أبي حذيفة» وغيرهما فكاد المسلمون أن ينهزموا كلهم حتى نصرهم الله، وأظهرهم على أعدائه، وقُتل مسيلمة الكذاب، وأصحابه، وتاب أهل الردة، فذلك قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِى الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يعني: يحبون الله: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} يعني: رحيمة ليّنة على المؤمنين {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} يقول: شديدة غليظة {عَلَى الكافرين} يعني: أهل اليمن.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ هُمْ ألْيَنُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإيمانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: {فَسَوْفَ يَأْتِى الله بِقَوْمٍ} يعني: الجند من جنود الله، مردًا وعونًا للخليفة أبي بكر، يحبهم الله كحب الوالد لولده، أذلة على المؤمنين كالعبد لسيده، {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} كالسبع على فريسته.
ويقال: {فَسَوْفَ يَأْتِى الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هو أبو بكر وأصحابه، وقال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه.
وقال الضحاك: هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتدت العرب جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام.
وهذا من شمائل أبي بكر، حيث اتفقت الصحابة على رأيه، وذكر أنه لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، همَّ المنافقون أن يُظهروا كفرهم، وتحير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك، حتى جاء عمر وصعد المنبر فقال: من قال إن محمدًا قد مات فأنا أفعل به كذا وكذا، بل هو حي حتى يخرج إليكم.
وقد وعدنا الله تعالى أن يظهره على الدين كله.
فجاء أبو بكر، فقال له: انزل يا عمر، فصعد أبو بكر، فقال: من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقد مات محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان يعبد الله تعالى فهو حي لا يموت، ومن أراد أن يرجع عن دينه فليس بيننا وبينه إلا السيف.
فخاف المنافقون، فكتموا نفاقهم وقرأ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقرأ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِى الله الشاكرين} [آل عمران: 144] فقال عمر: كأني لم أكن سمعت هذه الآية.
ثم اختلاف آخر كان في دفنه، فقال أبو بكر: يدفن حيث مات فاتفقوا على قوله.
ثم اختلاف آخر كان في سقيفة بني ساعدة في الخلافة، فاتفقوا على قوله.
ثم اختلاف أهل الردة، وكلهم اتفقوا على قوله.
فذلك قوله تعالى: {يجاهدون في سَبِيلِ الله} يعني: في طاعة الله: {وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ} يعني: لا يخافون ملامة الناس بما يعملون من الطاعات {ذلك فَضْلُ الله} يعني: ذلك توفيق الله: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} يعني: يوفق من يشاء.
ويقال: ذلك دين الله الإسلام يهدي به من يشاء {والله واسع عَلِيمٌ} يعني: واسع الفضل عليم بمن يصلح للهدى. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه} الآية.
قال فيها الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة نزلت الآية خطابًا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة، والإشارة بالقوم الذين يأتي الله بهم إلى أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة، وقال هذا القول ابن جريج وغيره.
قال القاضي أبو محمد: ومعنى الآية عندي أن الله وعد هذه الأمة من ارتد منها فإنه يجيء بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر، وكذلك هو عندي أمر عليّ مع الخوارج، وروى أبو موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري وقال هذا القول عياض، وقال شريح بن عبيد: لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وقومي هم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ولكنهم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى، وقال مجاهد ومحمد بن كعب أيضًا: الإشارة إلى أهل اليمن، وقاله شهر بن حوشب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله عندي قول واحد، لأن أهل اليمن هم قوم أبي موسى، ومعنى الآية على هذا القول مخاطبة جميع من حضر عصر النبي صلى الله عليه وسلم على معنى التنبيه لهم والعتاب والتوعد، وقال السدي الإشارة بالقوم إلى الأنصار.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على أن يكون قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} خطابًا للمؤمنين الحاضرين يعم مؤمنهم ومنافقهم. لأن المنافقين كانوا يظهرون الإيمان، والإشارة بالارتداد إلى المنافقين، والمعنى أن من نافق وارتد فإن المحققين من الأنصار يحمون الشريعة ويسد الله بهم كل ثلم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي وعاصم {يرتد} بإدغام الدال في الدال، وقرأ نافع وابن عامر {يرتدد} بترك الإدغام، وهذه لغة الحجاز، مكة وما جاورها، والإدغام لغة تميم، وقوله تعالى: {أذلة على المؤمنين} معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين، وهذا كقوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] وكقوله عليه السلام «المؤمن هين لين»، وفي قراءة ابن مسعود {أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين}، وقوله تعالى: {ولا يخافون لومة لائم} إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم كانوا يعتذرون بملامة الأخلاق والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم، وقوله تعالى: {ذلك فضل الله} الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله ويحبهم، وقد تقدم القول غير مرة في معنى محبة الله للعبد وأنها إظهار النعم المنبئة عن رضاه عنه وإلباسه إياها. و{واسع} معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}.
ابن كعب والضحاك والحسن وقتادة وابن جريج وغيرهم: نزلت خطابًا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة.
ومن يرتد جملة شرطية مستقلة، وهي إخبار عن الغيب.
وتعرض المفسرون هنا لمن ارتد في قصة طويلة نختصرها، فنقول: ارتد في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم مذ حج ورئيسهم عبهلة بن كعب ذو الخمار، وهو الأسود العنسي قتله فيروز على فراشه، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله، وسمى قاتله ليلة قتل.
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد، وأتى خبر قتله في آخر ربيع الأول وبنو حنيفة رئيسهم مسيلمة قتله وحشي، وبنو أسد رئيسهم طليحة بن خويلد هزمه خالد بن الوليد، وأفلت ثم أسلم وحسن إسلامه.
هذه ثلاث فرق ارتدت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنبأ رؤساؤهم.
وارتد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه سبع فرق.
فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري، وسليم قوم الفجاه بن عبد يا ليل، ويربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر وقد تنبأت وتزوجها مسيلمة وقال: الشاعر:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ** وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

وقال أبو العلاء المعري:
أمت سجاح ووالاها مسيلمة ** كذابة في بني الدنيا وكذاب

وكندة قوم الأشعث، وبكر بن وائل بالبحرين قوم الحظم بن يزيد.
وكفى الله أمرهم على يدي أبي بكر رضي الله عنه.
وفرقة في عهد عمر: غسان قوم جبلة بن الأيهم نصرته اللطمة وسيرته إلى بلد الروم بعد إسلامه.
وفي القوم الذين يأتي الله بهم: أبو بكر وأصحابه، أو أبو بكر وعمر وأصحابهما، أو قوم أبي موسى، أو أهل اليمن ألفان من البحر وخمسة آلاف من كندة وبجيلة، وثلاثة آلاف من أخلاط الناس جاهدوا أيام القادسية أيام عمر.